20 ديسمبر، 2009

بالألوان الطبيعية - بقلم المبدع محمد صالح


تريلر فيلم بالألوان الطبيعية فتح عينيه على حاجات كتير ما كنتش فاهمها، لأن طول عمري باحب أبويه -الله يرحمه- خريج الفنون الجميلة، وواثق ومتأكد إن الكلية اللي هوه اتخرّج منها كلية محترمة، وإن الفن حاجة محترمة ومافيش أي تعارض ما بين الفن ودخول الجنة مثلاً، وعمري ما فكرت إن فيه حاجة في الدنيا ممكن تقنعني إن الجمال حرام، أو الإبداع حرام...أو إن الفنان داخل النار، إذا كان ربنا هوه اللي خلقنا وحط فينا من روحه، فالجزء المبدع مننا هوه الجزء المتواصل مع المطلق، مع ربنا...وهوه ده الجزء اللي بيفضل بعد لما بنموت، يعني هوه ده الجزء اللي بيعبر الزمن بعد ما الجسم (النسبي) بيرحل عن هذا العالم..وهوه ده الجزء اللي بينقل الطاقة الروحانية من إنسان لإنسان، ومن ذكر لأنثى ومن شعب للتاني.


يعني أنا لما باسمع موتسارت، أنا باسمع الجزء الروحاني في موتسارت، موتسارت مات والجزء اللي فاضل منه هوه الجزء الروحاني، الجزء المطلق، الجزء الرباني...أنا باسمع إزاي ربنا قادر يخلق في داخل روحنا ومن خلال حواسنا ومداركنا كل هذا الجمال، أنا باسمع موتسارت وأفكر في قدرة الإنسان (اللي جواه جزء رباني، ربنا أودعه فيه ساعة ما اتولد) على التأثير بهذا القدر من الشفافية والحساسية والجمال على أخيه الإنسان مش بس في مكان آخر من العالم، لأ ده في عصر تاني، وفي ظروف تانية...الحركة عبر الزمن والجعرافيا دي مش حركة إنسانية...الإنسان نسبي، بيموت ويعفن في التربة...ولما بيعرف ينتقل من مكان لمكان بيضطر يركب طيارات ومراكب وعربيات...ولسة لحد دلوقت ماعرفش ينتقل في الزمن...الحركة عبر الزمن والجغرافيا دي حركة روحانية ربانية...الفن هوه الوسيط اللي بيقدر يعمل كده بسهولة ويسر ومن غير طيارات ولا أجهزة، لأن الفن روحاني، رباني، جميل والجمال أحد صفات ربنا.


يعني ماتجيش وتقنعني بعد كده، إن لوحة داناي العريانة بتاعة ريمبراندت حرام، لأن الفكرة مش عريانة ولا لابسة...الفكرة هيه بتنقل فكرة شكلها إيه...أكيد طبعاً وهوه بيرسم داناي وجايب الموديل عريانة قدمه ما كانش في دماغه حاجة بطالة، يعني مش جايب الولية ودافع لها فلوس ومتسمرة قدامه علشان يتفرج على جسمها الجميل...وقاعد وحارق ف دمه وألوان ورسم ووجع قلب..الفكرة حاجة تانية، وأنا لما باتفرج على داناي ما بافكرش ف حجم صدرها أو رجليها الجميلة أنا بافكر في الأسطورة اللي وراها والمغزى اللي في الحكاية وقدرة الفنان على التعبير عن هذا المغزى...وإذا كان حد بيفكر في الوضع (الجنسي المغري) اللي نايمة بيه، فدي مشكلة تربية وأخلاق وتعليم...ماحدش علمنا إزاي نتعرف على الجمال في أماكنه السليمة، ولما يتدحدر بينا الحال ونوصل لدرجة أن احنا نعيش في السرداب بتاع الفن حرام والجسد العاري حرام والرقص حرام وكل البوليكة دي، فده في واقع الأمر قلة تعليم، وقلة تربية وقلة أخلاق...زمان كانت حصة الرسم جميلة وحصة الموسيقى جميلة وحصة الألعاب جميلة...مش حصص فاضية لأ، ولا مواد إضافية...دي مواد أساسية جداً..


الموسيقى مهمة جداً والرسم مهم للغاية الرياضة أهم وأهم. لما الولاد الصغيرة تتعلم الفن، مش هنلاقي عندنا ناس بعد كده تيجي تقنعنا إن الرسم حرام، والموسيقى حرام والرقص حرام. وبعدين يا سيدي اللي شايف إن احنا داخلين النار وفسقة فده اختيارنا واحنا مسئولين عنه ومش عاوزين وجع دماغ.


أحد أهم البيانيستات في الاتحاد السوفييتي ماريا يودينا، كانت شديدة التدين أثناء الحقبة الستالينية وكان ليها جملة جميلة ترددها دائماً:


"إنني أعرف طريقاً واحداً إلى الله: الفن"