23 مايو، 2011

رامي فخري



رامي فخري.. مش أخويا .. مع إنه أخويا ف حاجات كتير.. وكان يحب دايما يناديني ويقولي : "أخوووويااااااااااااااااااا".. وأنا أضحك وأقول له: "بس ياااااد".. "أيوه يا اخويااااااا" ..
كان أخويا في الايمان بإن ربنا موجود وبيحب الناس الحقيقية اللي مش بتمثل لأن محبة ربنا نفسه حقيقية وواضحة..
كان أخويا في ان أحسن ما عندك من وقت وإمكانيات هو من حق ربنا فكان بيعمل حاجات كتير له:
كان بيخدم ربنا مع الأطفال ..وف العشوائيات ..و كان شماس ملتزم .. وكان عضو أساسي في أكتر من كورال كنسي
كان أخويا في حبه للموسيقى والغنا .. كنا بنغني سوا في كورال القاهرة الاحتفالي بالأوبرا ولنا نفس اللون الصوتي "تينور"

لم تفارقه الابتسامة.. الروح الخفيفة الطافية فوق مصاعب الزمن .. كان بسيطاً .. ودوداً .. مسالما لأقصى حد .. لم نسمع صوته مرتفعاً أو محتداً.. لم أره أبداً يتشاجر .. أو يخاصم .. أو يتكلم بعنف مع أحد .. بل كسب الحب من الجميع بأقصر الطرق .. بأن يظهر محبة خالصة صافية بدون أي انتظارات أو توقعات.. بل "محبة من قلب طاهروبشدة" كما يقول الانجيل.


هذه الابتسامة لم تكن بسبب رفاهية العيش أو انعدام المشاكل .. رامي واحد مطحون زينا وأكتر مننا كمان

ظروف عائلية مش سهلة ؛ والد متوفي من سنين وهو العائل لوالدته لأنه وحيدها ورفيقها الوحيد في المنزل بعد وفاة والده وزواج أخته..

ظروف عمل صعبة ؛ مهندس في بريمة (منصة) بترول في صحراء محافظة الشرقية .. 14 يوم في البريمة و 14 آخرين في القاهرة .. مشوار البريمة بعيد ومتعب .. اشتكى لي منه واحنا داخلين الفرح يوم الجمعة 13 مايو 2011 وقال لي: "أنا قرفت م المشوار ده، أنا جاي سايق 300 كيلو وها أرجعهم تاني بعد الفرح"..

وأنا فكرت..وقلت ف بالي: " إيه المحبة دي؟ تستأذن من شغللك ساعات قليلة وتسوق 300 كيلو رايح عشان تحضر فرح صاحبنا وترجعهم تاني بالليل؟! "..

استمتعنا بفرح صديقنا لأن صاحبنا ده غالي علينا قوي وكنا فرحانين له هو وخطيبته قوي. كان زي يوم عيد.. ورامي كان فرحان.. وغنى لهم والابتسامة العجيبة العريضة مستمرة على وجهه حتى لما مر الوقت وفوجئت بيه بيقوللي: "سلام أنا بقا عشان انت عارف مشواري".. بصّيت ف الساعة كانت 11 م وكان نفسي يستنى بس هو كان عامل حسابه يخلّص كل طريق السفر قبل الساعة 2 صباحا ميعاد حظر التجول .. لأنه كان ملتزم مع مديره بكلمة انه يرجع له ف نفس الليلة ..

سلمت عليه وقلت له: "طمّـنـَّا لما توصل ".. قاللي: "حاضر".

خلص الفرح وروّحنا بيوتنا
ونمنا
وصحينا السبت صباحاً
اليوم غريب.. احساسه م الصباح غريب..
كان في فرح اتنين تانيين من أصحابنا..
ماكنتش حاسس اني عاوز أروح..
-         الكنيسة إمتى ياجماعة؟
-         الساعة 3 يا هاني
-         طب حد رايح؟
ما حدش رد..
بالعافية اخدت بعضي ورحت
وكانت الكنيسة اللي فيها الفرح في الزمالك
وأنا سايق .. جت رسالة.. قلت أقراها لما انزل م العربية
وأنا باوصل الزمالك.. جالي تليفون..
-         "هاني .. قريت الرسالة؟؟"
-         "لأ"
-         ** صمت **
-         "فيه إيه؟؟" (وانا بازعق)
-         "طب لما توصل"
-         "فيه إييييييييه؟؟" (وانا بازعق أكتر)
-         "رامي فخري"
-         "ماله؟"
-         ** صمت رهيب **
-         "ماله رامي ؟"
-         "مات"
-         "ايه ده ؟؟ ايه ده ؟؟ ايه ده؟؟...ايه اللي حصل؟ حادثة؟" (بصراخ هيستيري)
-         "مانعرفش حاجة"
-     "يبقا حادثة.. ده كان معايا امبارح وكان عايل هم المشوار ده.. أصله بيسافر لشغله.. ياااااااه؟؟ رااااااامي؟؟ لأ مش مصدق .. إيه ده؟؟؟ إيــــــــــه ده؟؟"

انتهت المكالمة وانا باركن بره الكنيسة.. طب ياربي ها ادخل أعيط؟ واللا ها امثل عليهم؟ طب ولو سألوني على رامي؟
طب أعمل إيه؟
دخلت
ومثلت
وباركت
وبعدت وانهرت
ورجعت تاني
ورسمت ابتسامة غلسة صفرا مش حقيقية
وقلت الخبر لأصحابنا اللي يعرفوا يداروا
وتأكدت انهم ها يعرفوا يخبوا على الزوجين الجديدين دول..
ومشيت..

وبكيت.. بكيت كتير في العربية..
رامي؟ رامي يارب؟ اللي انت خليتني أتأخر عن فرح امبارح عشان أقابله صدفه وندخل سوا ويحكي لي عن آخر ظروفه..؟
رامي؟ ليه ؟ وازاي؟
رن التليفون تاني..
واحد من الأصحاب قاللي: "هاني .. رامي اتقتل .. الجيش ضربوه بالنار.. ومانعرفش ليه وازاي"
وساعتها تحولت الي كتلة صامتة أصابها الذهول

بعدها عرفنا – على حد رواية المستشفى التي سمعتها من أفراد الجيش الذين أحضروا رامي للمستشفى في حوالي الثالثة صباحا – ان الجيش أطلق النار على رامي قرب كمين على الطريق لأنه حاول يتفادى اطلاق نار بين الجيش وتجار للمخدرات .. ومثل أي شخص منا كان ها يحاول ألا يقترب من هذا .. حاول رامي أن يتفادى هذا بأن يرجع للخلف .. فأطلق الجيش عليه النار .. عليه هو مش ع العربية .. فقتله بدم بارد .. رصاصة بالرأس ورصاصة بالرقبة وثالثة بالصدر .. فمات ف الحال.

برافو يا جيش مصر العظيم ..
قتلتم صديقي المسالم ؟ أمال لو كان شراني والا عدواني واللا صوته عالي واللا عصبي واللا معاه سلاح كنتوا عملتوا إيه؟
آخر مكالمة لرامي مع والدته كانت بعد الواحدة صباحاً بقليل
هاتفه المحمول تم غلقه حوالي الواحدة والنصف
ماذا فعلتم به؟
وان كنتم قتلتوه فلماذا استقبلتكم المستشفى حوالي الثالثة صباحاً؟
ماذا حدث بين الواحدة والثالثة؟
من قتل رامي؟
ولماذا؟
ألم تكن مدافعكم الرشاشة بها طلقات فشنك كما بالتعليمات؟
كيف مات برصاص حي؟
من أطلق النار؟
لماذا يحقق الجيش في القضية؟ أليس هو القاتل؟
أين النائب العام؟ أليس هذا مدنياً قتله العسكر؟
أين حقوق المدنيين؟
وما الذي يضمن أنه في زي رامي كتير قبله وسيأتي بعده أيضا: ناس يقتلهم الجيش دون شاهد أو رقيب أو تحقيق؟
لماذا كانت الجنازة الساعة 8 مساءاً ؟ ليه أدفن صاحبي ف الضلمة؟
لماذا لايوجد تقرير طب شرعي؟
مر الآن أكثر من اسبوع ولم نعرف أي إجابة؟
هل الجيش فوق القانون؟
أم لأنه الحاكم يأخذ حصانة اللي مابيغلطش ؟
أين ثورتنا ؟
أين حق رامي؟
رامي اتقتل ليه؟

_____________________________________________________

تم نشر هذه التدوينة كمقال في مجلة "إحنا" بتاريخ 12 يناير 2012
في عدد خاص يوثق جرائم العسكر منذ بداية حكمهم لمصر منذ فبراير 2011
رابط المقال :
http://e7namagazine.blogspot.com/2012/01/2011_12.html